الأحد، 10 مايو 2009

مازالت الفجوة الرقمية بين مجتمع المعلومات العربى وبين نظيره العالمى تمثل صداعاً مزمناً داخل العقل المعرفى العربى حيث يقف العرب اليوم أمام تحديات غير مسبوقة فى حجمها وعنفها، والغايات التى تهدف إليها، وتضع هذه التحديات وجود العرب ومستقبلهم وموقعهم على خارطة عالم الألفية الثالثة موضع تساؤلات جدية، ولعل أهم التحديات التى يواجهها العرب اليوم تلك الموجة المتعاظمة من النقد وسوء الفهم والتشويه والكراهية التى انطلقت بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 ، ولدينا اعتقاد جازم بأن تلك الأحداث التى لم تكن سوى فرصة سانحة لقوى معادية أصلاً للعرب، للانقضاض على وسائل الإعلام الغربية عموماً والامريكية خصوصا، وتسخيرها لتطويع الرأى العام العالمى وتوجيهه وجهة معادية للعرب والمسلمين وهى عملية كبرى تتقاطع فيها مصالح عديدة ومتنوعة وقد انتقلت فعلاً منذ بعض الوقت من عالم الإعلام إلى عالم السياسة وعالم العمليات العسكرية أى أن المشكلة لم تعد محصورة بالإطار المعنوى والفكرى بل أصبحت موجودة وبقوة فى إطار الفعل السياسى. ولا يخفى على أحد القوة الهائلة التى اكتسبها الإعلام فى عصرنا، وقدرته على تشكيل الحقائق وإعادة عرض الوقائع بشكل انتقائى مما يسمح له، بفضل قوة تكنولوجيا المعلومات، بقلب الرأى العام العالمى، دون اعتماد كبير على الوقائع الحقيقية الموجودة على الأرض فعلاً فإذا أضفنا قوة الإعلام إلى قدرات تكنولوجيا المعلومات إلى جانب قوة الفعل السياسى والعسكرى الذى يواجهه العرب اليوم يتبين لنا مدى حجم التحديات التى نواجهها. وبالرغم من ذلك كله وبالرغم من وجود نيات مسبقة لهذه الحملة الظالمة وعلى الرغم من القدرات الاستثنائية الموضوعة تحت تصرف هذه الحملة من وسائل الإعلام ووسائل تكنولوجيا المعلومات وأدوات سياسية وعسكرية فإننا نعتقد أن الصورة الحقيقية الموجودة على الجانب الآخر، أى فى بلادنا، لا تخلو من سلبيات ونقاط ضعف قد توفر لأصحاب النيات السيئة الفرصة الملائمة لاستغلالها وتضخيمها، وتقديمها للرأى العام العالمى على أنها الجانب الوحيد للحقيقة فى البلدان العربية والإسلامية ثم القيام بعد ذلك باستغلال نقاط ضعف أخرى لتمرير مخططاتها وتنفيذها فعلاً على أرض الواقع، وليس لدينا شك فى أن القوى المعادية للعرب والمسلمين لن تفوت هذه الفرصة فى تأليب العالم علينا، وفى المضى فى ذلك حتى النهاية وإلى أقصى حد ممكن. ولعل أسوأ سلبيات واقعنا العربى هى عقلية احتكار الحقيقة، فمعظمنا نشأ معتقداً بثنائية الكون وصراع الخير والشر، ولكننا أنزلنا هذا الاعتقاد إلى مستوى الصراع على أرض الواقع فى العالم، وأصبح معظمنا يجزم بأن مواقف الحياة ليست سوى نماذج من صراع الخير والشر، وأنه هو يمثل الخير فى هذا الصراع، وبالتالى فآراؤه وقناعاته تجاه أية مسألة فى الحياة تمثل الجانب الصحيح بشكل مطلق مقابل وجهات نظر أخرى تمثل الخطأ بشكل مطلق، ومع تقديم الخبرات والتجارب تصبح آراؤه هى المقياس الوحيد للحقيقة وتصبح آراء الآخرين إما خاطئة أو تافهة أو شريرة وبذلك تتشكل لديه الأرضية الصلبة للتعصب فى الرأى وعدم تقبل آراء الآخرين أو حتى الاستماع إليها. وثمة سلبية لا تقل أهمية عن الأولى وهى أننا عادة نبنى آرءانا وقناعاتنا مستندين إلى إطلاع محدود على الواقع ودون سبر جاد ومسئول للحقائق والاحصاءات والمعلومات المتعلقة بالموضوع الذى نريد الحديث عنه. ومن هنا نجد أن الفجوة الرقمية فى مجتمع المعلومات لا يمكن أن تخرج عن دائرة الصراع العربى الغربى حيث أن تطور منظومة المعلومات فى أى مجتمع يعكس مدى تطور ورُقى هذا المجتمع خاصة فى مجالات الصناعة والاقتصاد والتكنولوجيا بشكل عام وهو ما تراقبه بشدة أعين المجتمع الغربى داخل شرايين وخلايا عالمنا العربى. وإذا كانت جميع الدول العربية تؤكد ضرورة التنسيق حتى نستطيع التعامل مع الدول المتقدمة وحتى لا يفوتنا القطار مرة أخرى ففى المرحلة الأولى للقمة التى عقدت فى جنيف 2003 كان هناك تنسيق عربى على مستوى الحكومات، وكانت هناك مواقف مشتركة من خلال اللجان الفنية فى نطاق بلورة موقف عربى موحد وتقديم رؤية فى قمة (تونس2005) نحاول العمل على إرساء تصور انطلاقا من دراسة وضع سياسات المعلومات فى الوطن العربى واسترشاداً بما قدمه النادى العربى للمعلومات من دراسة لواقع المعلومات وسياساتها وتكنولوجياتها فى الأقطار العربية والتى تؤكد تدنى وضعف الطلب على المعلومات خاصة فى مجال العلوم والتكنولوجيا، فضلا عن بنية تحتية ضعيفة ذات مؤشرات أدنى من المتوسط العالمى، بل فى بعض الأحيان أدنى من متوسط البلدان النامية، وضعف واضح فى حركة البحث العلمى وضعف واضح أيضا فى التمويل اللازم لهذا البحث. وقد يتطلب ارتفاع مستوى الأداء فى منظومة المعلومات إيجاد توجه استراتيجى وسياسات واضحة فى مجال المعلومات والعلوم فلابد من تحديد الخطوط العامة لسياسات المعلومات فى البلدان العربية والتى تحدد العلاقات بين النظم العامة والنظم الفرعية العلمية، سواء فى مجالات العلاقات بين التخصصات العلمية، أو فى حياة البلدان العربية من أجل إيجاد فرص العمل، والحفاظ على الهوية القومية وذلك بإعداد خطط تنفيذية محددة بآجال زمنية تأخذ بعين الاعتبار التوازن بين الموارد المتاحة والغايات المرجوة، بالإضافة إلى العمل على الوصول إلى بنية تحتية تكنولوجية متجانسة وقابلة للتواصل بين البلدان العربية والإعداد لبرامج تعليمية موحدة فى البلدان العربية خاصة فى مجال العلوم التطبيقية والتكنولوجيا وربط شبكات البحث العربية بمحيطها المتوسطى والعالمى، بالإضافة إلى ربط مراكز البحث العلمى بخطط قابلة للتطبيق فى مجال الاستثمار الصناعى والتكنولوجى وإنشاء صندوق عربى لتمويل المخاطرة فى الاستثمار، وذلك بهدف دعم الاستثمار فى مجال المحتوى العلمى العربى والتجارة الإلكترونية والبحث فى سلامة المعلومات وأخلاق مجتمع المعرفة.. هذا إلى جانب العمل على زيادة الطلب على المعلومات سواء فى مجال دعم القرار السياسى أو الاقتصادى، ومما لاشك فيه أن كل هذا يرتبط بإيجاد البيئة المناسبة لمجتمع المعلومات من خلال تقليص كلفة تبادل وتراسل المعلومات للمواطن وتسهيل الوصول إلى المعلومات العلمية والإدارية وإلغاء كل القوانين التى تحد من حرية وصول المواطن إلى هذه المعلومات. وإذا نظرنا إلى أرض الواقع سنكتشف مدى الاتساع الكبير للفجوة الرقمية بين عالمنا العربى وبين بقية بلدان العالم وذلك من خلال رصد استخدام الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت) حيث سنلاحظ أنه برغم التزايد الرهيب فى أعداد مستخدمى الشبكة الدولية للمعلومات "الانترنت" فإن نصيب مصر والبلدان العربية منها لا يزال دون المستوى.. سواء على صعيد التردد اليومى أو حجم التجارة الإلكترونية التى تتم عبر هذه الوسيلة. وعن صورة تطور استخدام هذه شبكة الإنترنت يؤكد تقرير أن عدد مستخدمى الإنترنت فى مصر ارتفع إلى مليون و 700 ألف مستخدم بالرغم من محدودية حجم التجارة الإلكترونية فى مصر. وأوضح التقرير الذى أعدته وزارة الاتصالات والمعلومات أن متوسط عدد الاتصالات بالإنترنت المجانى يبلغ 20 مليون دقيقة فى اليوم الواحد تستأثر القاهرة بنسبة 58% فى اليوم الواحد والدلتا 17% والإسكندرية ومطروح 13% وقبلى 7% ومدن القناة وسيناء والبحر الأحمر 5% وأشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن يصل عدد مستخدمى الإنترنت بمحافظات مصر إلى 2.2 مليون. وفى دراسة للمجالس القومية المتخصصة بمصر أكدت أن هناك 130 ألف موقع على الانترنت للدول العربية من بينها 16 ألف موقع مصرى فى مقابل 30 ألف موقع لإسرائيل وحدها. ومن المعروف أن عدد المستخدمين للإنترنت من الشباب يزيد فى فترة الإجازات فى مصر حيث تنتعش مقاهى الإنترنت وترتفع المبيعات إلى 25% ، وقد تجاوز عدد مقاهى ونوادى الإنترنت المصرية حوالى 550 مقهى فى القاهرة الكبرى بمفردها. ويلاحظ أن معدل الإنفاق على البحوث والتطوير فى مصر لا يتجاوز 3.7 دولار للفرد مقابل 681 دولاراً فى الولايات المتحدة الأمريكية و11 دولاراً فى أسبانيا و 19 دولاراً فى تركيا و 106 دولار فى السعودية للفرد. وأكد التقرير أن هناك مليون أسرة استفادت من الإنترنت المجانى ثلثهم من النساء. وقد كشفت دراسة حديثة أن عدد مستخدمى الإنترنت على مستوى العالم بلغ عام 2001 أكثر من 700 مليون شخص منهم 80% من الدول الصناعية التى يقطن بها 15% من سكان العالم، وتشير إحدى الدراسات إلى أن الولايات المتحدة تتصدر قائمة البلدان الأكثر استخداماً للحاسبات الشخصية فى العالم بمعدل 459 حاسباً آلياً لكل ألف شخص مقابل 35 حاسباً فى أوروبا لكل ألف شخص ولا تزيد على 10 حاسبات لكل ألف شخص فى بقية دول العالم. أما عن استخدام الكمبيوتر والإنترنت فى المنطقة العربية فطبقاً لأحدث الإحصائيات فهناك 1.4 جهاز كمبيوتر لكل مائة مواطن فى المنطقة العربية كمعدل عام أى نحو خمس المعدل العالمى البالغ 7.7 . أما شبكة الإنترنت فمعدل الاستخدام رهن بعدد أجهزة الهاتف والكمبيوتر علماً بأن هناك 7 خطوط هاتف ثابت لكل مائة شخص فى المنطقة العربية بالمقارنة بالمعدل العالمى الذى يبلغ 15.2. وهناك تفاوت بين الدول العربية فى استخدام الإنترنت ففى بعض البلاد لا تزال خدمة الإنترنت فى بدايتها، لكنها فى المنطقة العربية ككل 7.5 لكل ألف شخص وفى الدول الخليجية 32 بينما المعدل العالمى 55 لكل ألف شخص. ونظراً لتزايد عدد متصفحى الإنترنت يوماً بعد يوم فأحدث الإحصائيات لعام 2004 تشير إلى أن الذين يدخلون إلى الإنترنت أكثر مـن مرة يومياً 93% وأكثر من 4 مرات يومياً 56% ومن يدخلون إلى الإنترنت من 1 إلى 4 مرات يومياً 36% ومرة واحدة فى اليوم 7%، وعن استعمال الإنترنت للمعلومات الشخصية75% وللعمل 65% وللدراسة 60% وللتسوق 50% ولا يمثل الإنترنت فى العالم العربى سوى جزء يسير من الحياة اليومية للسكان. وتظهر تقديرات لشركة "نوا" الدولية لبحوث الإنترنت أن منطقة الشرق الأوسط بأسرها تضم 65.4 مليون مستخدم فقط للشبكة فى حين يستخدم 15.4 مليون أفريقى الشبكة الدولية للمعلومات. وعلى النقيض من ذلك يوجد فى أوروبا نحو 100 مليون مستخدم للشبكة العنكبوتية بينما أكد مركز معلومات شبكة الإنترنت فى الصين أن عدد مستخدمى شبكة الإنترنت فى الصين ارتفع إلى 795 مليونا بحلول عام 2003 بزيادة تمثل 345 % عن العام الماضى، والمعروف أن الصين بها ثانى أكبر عدد من مستخدمى الإنترنت فى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية حيث كسبت خلال 2003 ما يصل إلى 204 ملايين مستخدم للشبكة. وفى تقرير عن الفجوة الرقمية فى العالم العربى صدر عن الإتحاد العربى لتكنولوجيا المعلومات فى سبتمبر 2003 أن الفجوة الرقمية العربية فى مجال الكمبيوتر وصلت إلى 4.5 مليار دولار وأن نسبة صادرات منتجات التقنية البسيطة فى الدول العربية لا تتجاوز 10% وصادرات التقنية المتوسطة 7% وصادرات التقنية العالية لا تتعدى نسبة 1% فقط. ويشير التقرير إلى أن تكنولوجيا المعلومات لها تأثير واضح على الاقتصاديات الكبرى مثل اقتصاد الولايات المتحدة الأمركيية مثلا، ففى خلال الخمس سنوات الأخيرة.. قبل صدور التقرير .. تضاعف بفضل تكنولوجيا المعلومات من 1.4 % إلى 2.8% كما أن تأثير تكنولوجيا المعلومات كان واضحاً على الناتج القومى الإجمالى لبعض الدول شديدة الشبه فى أوضاعها الاقتصادية بالدول العربية مثل كوريا وسنغافورة وتايلاند وماليزيا كما أسهمت تكنولوجيا المعلومات كذلك فى تحقيق طفرة فى التجارة العالمية سواء السلع أو الخدمات فى هذه الدول. ونظراً لذلك التأثير الكبير للتكنولوجيا على الاقتصاد.. يوصى التقرير بأن تكنولوجيا المعلومات هى الطريق الوحيد للاقتصاديات العربية وذلك لعدة عوامل أهمها أنها تعطى أعلى معدل قيمة مضاعفى للنشاط الاقتصادى كما أنها الأعلى نمواً فى السوق العالمية وهى أنسب من حيث التكلفة الاستثمارية واعتمادها على البنية البشرية بالإضافة إلى أنها محفز قوى لتنمية بقية القطاعات الإنتاجية. من خلال هذه الإحصاءات نضع أيدينا على واقع الفجوة المعلوماتية.. بين عالمنا العربى وباقى العوالم الأخرى...‍ المصادر : § عبد المجيد الرفاعى، العقل العربى وتكنولوجيا المعلومات، الأهرام 25/12/2001. § أبو السعود إبراهيم، النادى العربى للمعلومات، الأهرام 5/2/2004. § تقرير الاتحاد العربى لتكنولوجيا المعلومات، سبتمبر 2003. § دراسة لـ "كيمبرلى يونج" أستاذة علم النفس بجامعة بيتسبرج فى برادوفورد بالولايات المتحدة الأمريكية عن مستخدمى الإنترنت.